أميطي عنا قِرامك هذا; فإنه لاتزال تصاويره تعرض لي في صلاتي




من المتعارف عليه ان الانسان يكتسب افكاره وتصرفاته غالبًا وهو في سن صغيرة, حيث يتأثر بالبيئة المحيطه به وبالأشخاص من حوله.
منذ صغر سننا اعتادوا ان يرهبونا من النار, واصبحت طريقة التربية على الأخلاق الحسنة مرتبطه بالترهيب من الخالق وعقابه, وتلك الأساليب تؤدي لظهور جيل لا يحب الله بل يخاف منه.

فمنذ سنين طويلة ظهرت خرافات وعادات غريبة التصقت بالاسلام و بمجتمعنا واصبح من الصعب تداركها حيث ان 
مدى انتشارها طال المدارس والجامعات, واصبح العامل بها مُهدد بغضب الله وعقابه.

تم تدريسنا ان الرسم والتصوير والنحت و اقتناء التماثيل من الآثام التي نعاقب عليها عقابًا شديدا,
واصبحت هناك طُرق مُخترعه لتجنب هذا المنكر, مثل وضع خط على رقبة الرسمة او طمس ملامحها او تكسير التماثيل عند رؤيتها, وتجنب التصوير والكاميرات إلا عند الضرورة القصوى مثل التصوير للبطاقة المدنية.





بالمناسبة, حتى وضع خط على رقبة الرسمة ليس كافيًا عند "اهل العلم" بل يجب ان يُفصل الرأس نهائيًا عن الجسم في الرسم... 


فتوى
الاطفال الى يومنا الحالي تصلهم نفس الرسائل التهديدية من المعلمين والمعلمات, مما يعني ان نسبة ليست قليلة من معلمينا اليوم لايزالون يقبعون في الماضي واحكامه, والسبب يعود لمعطلوا العقول مروجوا تلك الافكار الدينية التي ليس لها أصل والاحكام التي لاتنطبق على جميع الأزمنة.

يعتقد البعض ان الرسم لا معنى له ولا اهمية, لكن الفنون بكافة انواعها تلعب دورا في رقي الانسان والمجتمع.
فالرسام يعبر عن مشاعره واحاسيسه عن طريق الرسم ومقدرته على ايصال تلك الحالة التي عاشها الى المُشاهد هي موهبة لا يقدر عليها الجميع, كذلك النحات الذي باستطاعته تشكيل اجساد وملامح ملموسة, والمصور الذي ينقل مآسي العالم وافراحه عن طريق صورة.

فهل الله يمدنا بالمواهب والقدرات ويحرم علينا استخدامها ؟









هاجمت جماعة تنظيم طالبان متحف افغانستان الوطني منذ سنين مضت 
وحطموا عدد كبير من التماثيل والآثار الثمينة, استغرق الامر منهم يومان فقط لتدمير تاريخ يمتد لـ2000 سنة..
وقبل 6 أشهر من سقوط نظام طالبان, تم نسف تماثيل بوذا عملاقة في باميان وهي من اعظم ميراث الثقافة الافغانية 

وفي عام 2015 حذى تنظيم داعش حذوهم ودمر متحف الموصل، وهو أحد أهم المتاحف بالعراق، وكان يأتى بالمرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد المتحف العراقى فى بغداد, وحولوه الى حطام لا قيمة له.







و تمتد حوادث التكسير الى العشرات من المواقع الاثرية في سوريا ومصر..الخ
كثرة هذه التصرفات في المجتمعات الاسلامية, تفسيرها الوحيد الجهل والاعتماد على الاجتهادات الشخصية من غير بحث وتثبُّت, فقد يكون اعتقادهم انهم يقتدون بنبي الله ابراهيم عليه السلام عندما حطم اصنام قومه, متجاهلين حقيقة أن هذه التماثيل في وقتنا الحالي لاتمثل الا تاريخًا وثقافة وتراث وليست اداة للتقرب من الله وعبادة بعد الآن.

فمن الواضح ان هنالك خلط كبير بين مصطلحي التمثال والصنم

فالصنم هو كل ما عُبد من دون الله من تمثال أو صورة يُزْعم أن عبادتها تقرِّب إلى الله
فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ " - "وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ "


أما التمثال ففي الغالب للذكرى أو الزينة.

عند تدبر آيات القرآن الكريم, نجد ان ذكر الصنم مرتبط بذكر العبادة، فالممنوع العبادة وليس الصنم في ذاته

فقال لأبيه وقومه ما تعبدون - قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين"
-  وقوله تعالى: " فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله " - " ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون، قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين"، إذن فالعلة من تحريم الأصنام الرابطة التي بينها وبين العبادة.

واللا لحرمها الله على نبيه سليمان:
"يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ" 
فكيف كانت الجن تصنع للنبي سليمان التماثيل ومن ثم يأتي المجتهد و يحرم التماثيل بجميع صورها ويجعلها مظهر من مظاهر الشرك؟
وتفسيره في النهاية ما هو الا تفسير شخصي يحتمل الصواب و الخطأ.

ويقول ابن العربي ان العلماء الذين حرموها كانت لسد ذريعة و انهم كانوا حديثي عهد بعبادة التماثيل فأراد الشارع الحكيم ان يقطع جذر ذلك الامر في حينها.
اما الان فالتماثيل و الصور هي من الفنون التجميلية في وقتنا الحالي و الناس موحدون و ليسوا حديثي عهد بعبادة الاصنام و الاجيال تغيرت و اصبحت العقول تعي و ليس من المعقول هدم التاريخ و الحضارات بحجة انها حُرمت في قديم الزمان خوفًا, فزمانهم يختلف عن زماننا.

ناهيك ان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم عندما قاموا بالفتوحات الاسلامية وجدوا في البلاد التي فتحوها تماثيل وآثار لم يلتفتوا إليها لأنهم لما دخلوا الى تلك البلاد لم تكن هذه التماثيل معبودة، ولذلك تركوها مجرد تماثيل لا تعني شيئاً ولا ترمز الى عقيدة حاضرة، فهي كانت رمز الى عقيدة بائدة وانتهت.

في واقع الامر, الاصنام في وقتنا الحالي اتخذت اشكالًا متعددة مثل السلطان والكاهن وهي التي يجب ان تدمر ليس الحجر الذي لايملك لا ضرّا ولا نفعًا.
كما قال الصادق نيهوم: " لا تخافوا على سلامة دينكم من تماثيل حجرية تزينون بها بيوتكم, بل خافوا من الأصنام البشرية التي تحتل رؤوسكم وتسجد لها عقولكم. "




في فترة من الزمن تم الاستدلال بنفس احاديث تحريم الاصنام لتحريم الصور الفوتوغرافية
و ادى ذلك لحرق الكثير من الصور التي تحمل كم هائل من المشاعر و الذكريات الجميلة


ومثل ماهو واضح في وقتنا الحالي من كانوا يحرمون التصوير هم الآن من يتصدرون مواقع التواصل الاجتماعي بصورهم و مقاطع الفيديو.

لذلك يجب علينا ان نعلم ان مصدر التشريع الاول هو القرآن الكريم و من ثم اتت السنة النبوية لتوضيح الاحكام و ليس لتكملة القرآن الكريم لان القرآن ليس ناقصًا، و ان التفاسير و المعاجم والصناعة الفقهية هي جهد بشري يحتمل الخطأ و الصواب.

وهنا سوف نقوم بذكر أدلة التحريم والرد عليها:

إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون
- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور
- أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله
- إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة


بدايةً يجب ان نعلم ما المقصود بالصور المذكورة بالأحاديث, لأن الصور الفوتوغرافية لم يكن لها وجود في تلك الحقبة الزمنية, وذلك يضعنا امام خيارين, ان يكون المقصود بالصور التماثيل او الرسم.

وبما اننا اوضحنا ان التماثيل كانت معبودة في ذلك الوقت و ان المغزى من نحتها كان لغرض تعظيمها وجعلها في منزلة الخالق او شريكة له, فمن البديهي ان يتم تحريم اقتنائها.
روى الترميذي انه يقال للناس في يوم القيامة ليذهب كل ما كان يعبد من دون الله فيذهب اهل الصليب الى صليبهم و يذهب اهل التصاوير الى صورهم 

واذا كان الرسم ايضًا لمضاهاة خلق الله فإن ذلك يضعنا امام مسألة قلبية تعتمد على نية الرسام
يتحدث الشيخ صالح المغامسي عن المقصود بمضاهاة خلق الله هنا




ويقول الإمام محمد عبده معلقًا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون": إن الحديث جاء في أيام الوثنية وكانت الصور تُتخذ في ذلك العهد لسببين: الأول اللهو، والثاني التبرّك بمثال من ترسم صورته من الصالحين، والأمر الأول مما يبغضه الدين، والثاني مما جاء الإسلام لمحوه، والمصوَّر في الحالين شاغل عن الله، أو ممهد للإشراك به، فإذا زال العارضان وقُصدت الفائدة، كان تصوير الأشخاص بمنزلة تصوير النبات والشجر والمصنوعات"

وليس هناك ما يمنع المسلمين من الجمع بين عقيدة التوحيد، ورسم صورة الإنسان والحيوان لتحقيق المعاني العلمية وتمثيل الصور الذهنية.

فالسيدة عائشة رضي الله عنها اشترت قماشًا فيه صورة، وعلقت هذا القماش على كوة أي على نافذة في منزل النبوة، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم كره هذا الذي صنعته عائشة.


وفي ذات الحديث برواية أنس بن مالك تعليل لسبب كراهة رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليق هذا القماش وما فيه من الصور، يقول أنس: "كان ستر لعائشة قد سترت به جانب بيتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أميطي، أي أزيحي عنا قِرَامَك هذا (ستر رقيق فيه ألوان ونقوش)، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي"
أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما وقف في المنزل يصلي رأى الصور، فكره ذلك لأن هذه الصور تخايله وهو يصلي، وطلب من السيدة عائشة أن تزيح هذا الستار، فأخذت السيدة عائشة هذا القماش وقطّعته (وقيل الرسول قطّعه) وجعلته وسائد. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخدم هذه الوسائد ويتكئ عليها وفيها رسم الصور أي التماثيل، وهي في هذه الحالة ممتهنة أي أن الإنسان لا يعظمها.. أي أن علة التحريم قد انتفت

وفي موقف مشابه قد روى مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان لنا ستر فيه تمثال طائر، وكان الداخل إذا دخل استقبله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حوِّلي هذا فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا.
ومن الواضح من هذا الحديث ان امر النبي بإزالة الستر كان لتجنب اي ملهيات عن الآخرة.

و لقد حلل النبي صلى الله عليه و سلم الدمى و المجسمات للاطفال:
عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها قَالَتْ : أَرْسَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم غَداةَ عاشوراء الى قرى الانصار التي حول المدينة: (من كان اصبح صائمًا فليتم صومه ، ومن كان اصبح مفطفليتم بقية يومه)، فكنا بعد ذلك نصومه، ونصوم صبياننا الصغار منهم ان شاء الله, ونذهب الى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن, فإذا بكى احدهم على الطعام اعطيناها اياه عند الافطار رواه البخاري (1960) ومسلم (1136) 
و العهن هو الصوف و اللعب المصبوغه و الملونه.

و عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله عليه وسلم من غوزة تبوك أَوْ خَيْبَرَ وَفِي سهوتها ستر، فهبت الريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لُعَب، فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ ؟!". قَالَتْ: بَنَاتِي، ورأى بينهن فرسًا له جناحان مِنْ رِقَاعٍ، فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي أَرَى وَسْطَهُنَّ؟ قَالَتْ: فَرَسٌ، قَالَ: "وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟!". قَالَتْ: جَنَاحَانِ، قَالَ: "فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟" قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلاً لَهَا أَجْنِحَةٌ؟!
قَالَتْ: فَضَحِكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ. 


أما بالنسبة للتصوير الفوتوغرافي فهو مجرد حبس ظل و انعكاس وليس فيه اي مضاهاة لخلق الله او التشبه به
اللا في حالة تثبت فيه حرمته, وهي عندما يكون مقصد الصورة بعينه محرم, مثل صور للشهوة تظهر فيها عورات الاخرين او صور للفضيحة .


يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " استفت قلبك, والبر ما اطمأنت إليه النفس, واطمأن إليه القلب, والإثم ما حاك في القلب, وتردد في الصدر, وإن أفتاك الناس وأفتوك "
فعند الحيرة في مثل تلك الامور ينبغي على الانسان الرجوع لقلبه ونيته, فجميع الامكانيات البشرية قد تستخدم في الخير والشر معًا.






   Special thanks to Ali who helped writing this modest subject. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المخلِّصُون الستة عشر

"من لم يحرّكه الربيعُ وأزهاره، والعودُ وأوتاره، فهو فاسدُ المزاج ليس له علاج".

ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتا